منذ العام 1967 وحتى نهاية 2017 أقيمت في أنحاء الضفة الغربية أكثر من 200 مستوطنة تتوزّع "أنماطها" كما يلي:
- 131 مستوطنة اعترفت بها وزارة الداخلية كبلدات؛
- نحو 110 مستوطنة أقيمت دون مصادقة رسمية ("بؤر استيطانية")، ولكن بدعم ومساعدة وزارات حكومية؛
- في الخليل عدد من الجيوب الاستيطانية داخل المدينة؛
- في القدس الشرقية 11 حيًّا أقيم على أراض في الضفة الغربية ضمّتها إسرائيل إلى منطقة نفوذ القدس، وكذلك عدد من الجيوب الاستيطانية في قلب الأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية.
وهناك 16 مستوطنة أخرى أقيمت في قطاع غزّة وأربع مستوطنات في شمال الضفة الغربية تمّ تفكيكها عام 2005، ضمن تطبيق "خطّة الانفصال".
عدد المستوطنين الذين يسكنون في المستوطنات المذكورة أعلاه أكثر من 620 ألف: منهم 413,400 في مستوطنات الضفة باستثناء شرق القدس (وفقًا لمعطيات دائرة الإحصاء المركزية محدّثة في نهاية عام 2017) ونحو 209,270 في أراضي الضفة الغربية التي ضُمّت إلى مسطح بلدية القدس (وفقًا لمعطيات معهد القدس لأبحاث إسرائيل، محدّثة في نهاية 2016).
المستوطنات هي العامل الأكثر تأثيرًا على واقع الحياة في الضفة الغربية وإسقاطاتها على حقوق الإنسان الفلسطيني مدمّرة وتطال ما هو أبعد بكثير من مئات آلاف الدونمات التي سُلبت منهم لأجل إقامتها بما في ذلك المراعي والأراضي الزراعية: صودرت أراضٍ لأجل شقّ مئات الكيلومترات من الشوارع الالتفافية المخصّصة للمستوطنين؛ الحواجز والوسائل الأخرى لتقييد حركة الفلسطينيين فقط، وأقيمت تبعًا لمواقع المستوطنات؛ إغلاق مجال وصول الفلسطينيين إلى كثير من أراضيهم الزراعية تلك الواقعة داخل نطاق المستوطنات أو خارجها؛ ترسيم المسار الملتوي للجدار الفاصل والذي يمسّ على نحوٍ خطير بحقوق الفلسطينيين القاطنين في محاذاته، داخل أراضي الضفة، والهدف الأساسي لإسرائيل من ذلك أن تبقي إلى الغرب من الجدار ما أمكن من المستوطنات والأراضي التي تعدّها لتوسيع المستوطنات.
المستوطنات هي العامل الأكثر تأثيرا على واقع الحياة في الضفة الغربية. إسقاطاتها على حقوق الإنسان الفلسطيني هدّامة وتفوق بكثير مئات آلاف الدونمات التي سُلبت من أجل إقامتها.
أجهزة الاستيطان في الضفة الغربية لها كلّها أهداف مماثلة ولكن أجهزة النهب في قلب مدينة الخليل وفي القدس الشرقية - حيث سلبت إسرائيل من السكّان بيوتًا ومبانٍ أيضًا - تختلف في تفاصيلها.
في سنوات الاحتلال الأولى كانت الآليّة الأساسيّة التي استخدمتها إسرائيل للسيطرة على الأراضي لأجل إقامة المستوطنات "وضع اليد على أراضٍ لأغراض عسكريّة". في تلك السنوات صدرت أوامر وضع يد عسكرية على نحو 31 ألف دونم معظمها كان لأجل بناء المستوطنات.
في حزيران 1979 وضع الجيش يده على أراضٍ بملكيّة خاصّة "لأغراض عسكرية" في منطقة نابلس لأجل إقامة مستوطنة "ألون موريه". قدّم عدد من السكّان التماسًا إلى محكمة العدل العليا مدّعين أنّ وضع اليد على أراضيهم مخالف للقانون الدولي لأنّ الغاية منه إقامة مستوطنة مدنيّة، ولم يكن لأغراض عسكرية. وكانت المحكمة قد رفضت هذا الادّعاء في التماسات سابقة وقبلت ادّعاء الدولة بخصوص مساهمة المستوطنات في تعزيز الأمن، ومن ثمّ صادقت على وضع اليد على الأراضي.
ولكن في الحالة المذكورة أعلاه ادّعى مسؤولون كبار في جهاز الأمن أنّ إقامة المستوطنة في ذلك الموقع ليس لها أيّة أهمّية عسكريّة. إضافة إلى ذلك انضم بعض المستوطنين للالتماس كمدّعى عليهم وأوضحوا أمام المحكمة أنهم يعتزمون الاستيطان في الموقع بشكل ثابت وذلك لأسباب دينيّة وسياسيّة لا لأسباب أمنيّة. إنّ هذه الملابسات الخاصّة لم تمكّن القضاة من إصدار قرار كما في السابق وكأنّ إقامة المستوطنة جاءت لتلبية حاجات عسكرية، إلا أنهم امتنعوا عن رفض هذه الإمكانية بشكل شامل. جعل القضاة قرار حكمهم مقتصرًا على حالة "ألون موريه" فقط وأقروا بأنّ وضع اليد على الأرض لم يكن لأغراض عسكرية وإنّما لأغراض مدنيّة وبالتالي فهو مخالف للقانون الدولي. لم ترفض المحكمة رفضًا قطعيًا إمكانية وضع اليد على أراض خاصّة لأجل إقامة مستوطنات واكتفت بالقول إنّه عندما يكون الاعتبار المهيمن على وضع اليد إقامة مستوطنة مدنيّة لا لأغراض عسكرية - يكون أمر وضع اليد عندها غير قانونيّ.
صعّب هذا القرار على دولة إسرائيل الاستمرار في السيطرة على الأراضي بالطريقة التي اتّبعتها حتى ذلك الحين: لقد دفعها القرار إلى السعي لتوافُق جميع المسؤولين الكبار في جهاز الأمن بشأن مساهمة المستوطنة الجديدة في تعزيز الأمن وكذا لتأمين صمت المستوطنين عن أهدافهم المستقبلية. ولكي تتجنّب الحكومة ذلك أعلنت أنّ المستوطنات ستُبنى من الآن فصاعدًا فقط على أراضٍ مصنّفة كأراضي دولة.
ولكن عندما سعت لإقامة مستوطنات على مثل هذه الأراضي تبيّن لها أنّ حجم الأراضي المسجّلة كأراضي دولة في أنحاء الضفة الغربية صغير (نحو 527 ألف دونم) وأنّ جميعها تقريبًا يقع في منطقة الأغوار و"صحراء يهودا" فيما هي تريد إقامة المستوطنات في قطاع ظهر الجبل "جاف ههار". لكي تزيد من احتياطي الأراضي التي يمكن إعدادها لإقامة مستوطنات عليها بلورت الدولة آليّة جديدة لتصنيف مناطق جديدة كـ "أراضي دولة".
ارتكزت الآلية الجديدة إلى إعادة كتابة القواعد القضائية وتبنّي تأويلاً جديدًا لقانون الأراضي العثماني (الذي نظّم مسألة مُلكيّة الأرض في الضفة الغربية) مغايرًا تمامًا لما كان متّبعًا حتى ذلك الحين. سهّل التأويل الجديد كثيرًا إمكانيّة تصنيف مناطق جديدة كأراضي دولة وإن كانت سابقًا بملكيّة فلسطينية خاصّة أو جماعية وفق تأويل سلطات الانتداب وحكومة الأردن لقانون الأراضي. من بين الوسائل لتحقيق ذلك: وضعت الدولة شرط الفلاحة المتواصلة للأرض كشرط لتملّكها على يد الفلسطينيين؛ وتجاهلت تعليمات القانون المحلّي الذي يمنح التجمّعات السكّانية الفلسطينية حقّ الاستخدام الجماعيّ للمراعي والأراضي العامّة الأخرى.
استنادًا إلى تطبيق القواعد الجديدة صنّفت الدولة مئات آلاف الدونمات في الضفة كـ"أراضي دولة" وصادرتها من أيدي الفلسطينيين. بين السنوات 1979 و-2002 طبّقت الدولة ذلك على أكثر من 900 ألف دونم وهي زيادة بنسبة 170% إلى أراضي الدولة التي كانت في الضفة قبل الاحتلال. يوجد اليوم في مناطق C نحو 1,2 مليون دونم مصنّفة كـ "أراضي دولة"، وتشكّل 36,5 % من مناطق C و-22% من مجمل أراضي الضفة الغربية. إضافة إلى ذلك هناك نحو 200 ألف دونم مصنّفة كـ "أراضي دولة" تقع في مناطق A و-B حيث صلاحيات التنظيم والبناء بأيدي السلطة الفلسطينية.
أظهرت نتائج استطلاع مقارن أجرته "بتسيلم" في منطقة رام الله فروقًا هائلة في نسبة المساحات التي صنّفتها حكومة الأردن كمُلك حكومي في أراضٍ مسجّلة في سند الملكية (الطابو) قبل الاحتلال وبين نسبة المساحات التي صنّفتها إسرائيل كأراضي دولة في مناطق لم يمهل الوقت الأردنيين سلتسجيلها. نتائج الاستطلاع تعزّز الاستنتاج بأنّ جزءًا كبيرًا من المساحات التي صنّفتها إسرائيل كأراضي دولة هي في الواقع ملك خاصّ لفلسطينيين، سلبته إسرائيل من أصحابه الشرعيين بواسطة مناورات قضائيّة منتهكة بذلك القانون المحلّي والقانون الدولي.
إجراءات السيطرة على الأراضي تنفّذ أيضًا خلافًا للقواعد الأساسية للإجراء العادل وأسُس العدل الطبيعي. في كثير من الأحيان لم يعرف السكّان الفلسطينيون أن أراضيهم قد سجّلتها الدولة ملكًا لها وعندما اكتشفوا ذلك كانت مهلة تقديم الاستئناف قد نفدت؛ عبء الإثبات يقع دائمًا على عاتق الفلسطيني الذي يدّعي أنّ الأرض ملك له؛ وحتى إذا تمكّن صاحب الأرض من إثبات ملكيّته يحدث أن تسجّلها الدولة ملكًا لها بحجّة أنّه تمّ تخصيصها لمستوطنة ما "بحُسن نيّة".
على كلّ حال حتى لو كانت عمليّات تصنيف الأراضي كـ"أراضي دولة" جميعها قانونيّة فهذه الأراضي - وبضمنها تلك التي صُنّفت كذلك قبل احتلال 1967 - يفترض أنّها أراضٍ عامّة معدّة لخدمة الجمهور أي لخدمة الفلسطينيين سكّان الأراضي المحتلّة، وليس لخدمة دولة إسرائيل أو مواطنيها. مع ذلك تمنع إسرائيل الفلسطينيين منعًا يكاد يكون قاطعًا من استخدام هذه الأراضي معتبرة إيّاها أملاكًا إسرائيلية. كجزء من هذا التصوّر خصّصت إسرائيل للمستوطنات مساحات شاسعة من "أراضي الدولة" هذه، تبلغ عشرات أضعاف مساحة المنطقة العمرانية. وقد عرّفت الأوامر العسكرية تلك الأراضي كـ"مناطق عسكرية مغلقة" يُمنع الفلسطينيون من الدخول إليها دون تصريح ولكن يُسمح لمواطني إسرائيل ويهود العالم والسيّاح دخولها بحرّية تامّة.
يمتدّ عمران المستوطنات اليوم على مساحة 538,127 دونما وتشكّل نحو 10% من مساحة الضفة الغربية. يضاف إليها 1,650,376 دونما هي مساحة مناطق نفوذ المجالس الإقليمية للمستوطنات وتشمل براري شاسعة لا تدخل في منطقة عمران أيّ من المستوطنات. هكذا تبلغ مساحة الأراضي الواقعة تحت سيطرة المستوطنات مباشرة نحو 40% من مجمل مساحة الضفة الغربية وتشكّل 63% من مساحة مناطق C.
في موازاة سيطرة الدولة على الأراضي فيما يبدو ظاهريًّا إجراء قانونيّ يستغلّ المستوطنون انقطاع الصّلة الذي فرضته إسرائيل بين الفلسطينيين وأراضيهم: إنّهم يبنون المنازل ويقيمون البؤر الاستيطانية ويشقّون الطرق ويفلحون الحقول ويزرعون الكروم ويرعون قطعانهم ويسيطرون على مصادر المياه الطبيعية - وكلّ هذا يفعلونه في مساحات شاسعة خصّصتها إسرائيل للمستوطنات مترافقًا دائمًا وعلى نحوٍ روتينيّ باعتداءات عنيفة على السكّان الفلسطينيين. هذه الأمور تلعب دورًا مركزيًّا في تطبيق سياسات دولة إسرائيل في الضفة الغربية وتكمّل الخطوات الرسمية التي تتّخذها الدولة في المنطقة. إنّه نهج يشكّل آلية سيطرة مخصخصة مستقلّة ظاهريًّا تتيح للدولة إقامة تواصل استيطاني إسرائيلي في الضفة الغربية وتوسيعه من خلال قناة جانبيّة غير رسميّة - وبذلك تتيح لها التملّص من المسؤولية الرسمية عن هذه الأفعال.
خلافًا لسياسة التنظيم والبناء المقيّدة التي تفرضها إسرائيل على البلدات الفلسطينية تحظى المستوطنات الإسرائيلية بتمثيل تامّ في إجراءات التنظيم وبتنظيم تفصيلي وربط بمرافق وبنى تحتية متطورة. صحيح أنّ إسرائيل تستخدم المصطلحات التنظيمية والقانونية نفسها لوصف البناء الإسرائيلي والفلسطيني في الضفة الغربية: قوانين التنظيم والبناء ومخططات بناء المدن وإجراءات التنظيم والبناء المخالف للقانون وما إلى ذلك؛ إلاّ أنّ هذه الإجراءات والتعليمات تطبّق على نحوٍ مغاير كلّيًّا في المستوطنات وفي البلدات الفلسطينية: تحظى المستوطنات بالدعم وتستفيد من غضّ الطرْف عن الأفعال المخالفة للقانون تجري قوننتها بأثر رجعيّ - وكلّ ذلك كجزء من سياسة متواصلة قوامها الضمّ الفعليّ لأراضي الضفة الغربية إلى مناطق السيادة الإسرائيلية. في المقابل يعاني الفلسطينيون من بيروقراطية متشدّدة ومن حظر تنظيميّ ومن تنفيذ أوامر الهدم على نطاق واسع - كجزء من سياسة متواصلة قوامها منع التطوّر في الجانب الفلسطيني وسلب أراضي الفلسطينيين.
إقامة المستوطنات في الأراضي المحتلّة تشكّل انتهاكًا لأحكام القانون الإنساني الدولي التي تحظر على دولة الاحتلال نقل مواطنين من مناطقها إلى المنطقة المحتلّة وإجراء تغييرات ذات طابع دائم فيها، إلاّ إذا أجريت تلك التغييرات لاحتياجات عسكريّة بمعناها الضيّق أو لخدمة السكّان المحلّيين.
إضافة إلى ذلك فإنّ وجود المستوطنات يسبّب انتهاك كثير من حقوق الإنسان الفلسطيني بما فيها حقّ الملكيّة والحقّ في المساواة والحقّ في مستوى معيشة لائق وحقّ حرّية الحركة والتنقّل. كما أنّ التغييرات الكبرى التي أجرتها إسرائيل في خريطة الضفة الغربية لا تدع فرصة أيًّا كانت لإقامة دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة في إطار حقّ تقرير المصير.
رغم أنّ الضفة الغربية ليست جزءًا من مناطق السيادة الإسرائيلية إلا أنّ إسرائيل تطبّق معظم القانون الإسرائيلي على المستوطنات والمستوطنين. يتمتّع المستوطنون بكلّ الحقوق الممنوحة لمواطني إسرائيل القاطنين داخل الخطّ الأخضر. وفي المقابل يواصل الفلسطينيون العيش تحت وطأة سلسلة من الأوامر العسكرية وجهاز قضائي عسكري ينتهك حقوقهم بشكل منهجيّ - في حين لا يملكون أيّ تأثير على تشكيل السياسة المتّبعة في أراضيهم وتشكّل حياتهم. هكذا فرضت إسرائيل نظامًا تتعلق فيه حقوق الإنسان بالانتماء القوميّ.
جنبًا إلى جنب مع امتناع إسرائيل عن الضمّ الرسميّ (سوى ضمّ القدس الشرقية) تعامل إسرائيل المستوطنات كجزء من مناطق تملك فيها السيادة الفعليّة وتعمل على محو شبه تامّ للخط الأخضر بالنسبة إلى مواطنيها الإسرائيليين، وفي المقابل تركّز السكّان الفلسطينيين في 165 جزيرة أرخبيليّة منفصلة ومتحلّلة (مناطق A و-C). هذا الأداء الإسرائيلي على مسارين متوازيين - فمن جهة دخول إسرائيليين/مستوطنين إلى مناطق الضفة وسيطرة على مساحات متزايدة من الأراضي ومن جهة أخرى دحر السكان الفلسطينيين - هو أحد الممارسات المركزية والثابتة في سياسة إسرائيل في جميع أنحاء الضفة الغربية منذ حزيران 1967. من أجل هذه الغاية تعمل جميع أجهزة التشريع والقضاء والتنظيم والمالية والأمن.