في جميع المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل – بين النهر والبحر – هناك نظام واحد يسعى إلى تحقيق وإدامة تفوّق جماعة من البشر (اليهود) على جماعة أخرى (الفلسطينيين). هذا نظام أبرتهايد على عكس الاعتقاد السّائد بأن إسرائيل دولة ديمقراطية تدير نظام احتلال مؤقت. لممارسة التفوّق اليهودي يستخدم النظام الحاكم في إسرائيل وسيلة هندسة الحيّز جغرافيا وديموغرافيا وسياسيا. هكذا وحين يمارس اليهود حياتهم في حيّز واحد متتابع ينعمون فيه بحقوق كاملة وبالحق في تقرير المصير، يعيش الفلسطينيون في حيز مفكك لوحدات مختلفة تحظى كل منها بحقوق منتقصة مقارنة بتلك التي ينعم بها اليهود.
التقرير يُظهر كيف تتذرّع إسرائيل بحجج أمنيّة لكي تطبّق في منطقة مركز مدينة الخليل سياسة جعلت حياة السكّان الفلسطينيّين جحيمًا لا يُطاق بهدف دفعهم إلى الرّحيل عن منازلهم. تعتمد هذه السياسة آليّات الفصل الحادّ والمتطرّف التي تطبّقها إسرائيل في المدينة منذ 25 عامًا، منذ المجزرة التي ارتكبها باروخ جولدشطاين بهدف تمكين ثلّة مستوطنين من السّكن في قلب مدينة فلسطينيّة مكتظّة. هذه السياسة خرق لحظر النقل القسريّ الذي يُعتبر جريمة حرب.
التقرير الذي ينشره بتسيلم اليوم يتقصّى الوسائل التي تستخدمها إسرائيل في الاستيلاء على الحيّز القرويّ الفلسطيني، تحطيمه إلى شظايا، ونهب أراضي ومياه السكّان لنقلها إلى أيدي المستوطنين. يأتي وصف عملية الاستيلاء من خلال عرض مصائر قرىً ثلاث في محافظة نابلس – عزموط ودير الحطب وسالم، والمسار الذي اجتازته منذ أقامت إسرائيل مستوطنة ألون موريه في جوار هذه القرى. حكاية القرى الثلاث هي مثال على سياسة واسعة النطاق تطبّقها إسرائيل في أنحاء الضفة الغربية منذ عشرات السنين، يلعب المستوطنون فيها دورًا مركزيًا.
يشكل هذا التقرير محاولة أولى لفحص تأثيرات الاحتلال على بلدة فلسطينية واحدة. ويتركز التقرير في قرية برقة قضاء رام الله. وبرقة ليست قرية استثنائيّة، وهي لم تكن يومًا في واجهة النضال ضدّ الاحتلال ولم تعانِ خطوات عقابيّة استثنائيّة. وفي الواقع، اختيرت القرية بالذات بسبب انعدام خصوصيتها، لتكون مثالا على حيوات سكان قرى فلسطينية واقعة تحت الاحتلال. برقة قرية صغيرة ورعوية، محاطة بالحقول وتعاني على غرار القرى الأخرى قيودًا صعبة على الحركة، تعزلها عن بيئتها، وتعاني نهب أراضيها على نطاق واسع وتضييقًا اقتصاديًا. كلّ هذه الأمور جعلت من برقة قرية مهملة ومكتظة وفقيرة، يعيش نحو نصف سكانها على شفا خطر الفقر أو تحته.
تقرير مشترك مع مركز الدفاع عن الفرد
يفحص التقرير إسقاطات عزل إسرائيل لقطاع غزة على حق الفلسطينيين بحياة أسرية. إسرائيل تحظر العبور بين القطاع والضفة باستثناء الحالات الاستثنائية، وهي بهذا تفصل بين أفراد العائلات وتمنع الأزواج اللذين أحدهما من غزة والآخر من الضفة الغربية أو إسرائيل (وبالعكس) من إدارة روتين معقول. عشرات الآلاف يضطرون لمواجهة واقع مستحيل تتغلغل فيه الدولة بأبعاد حميمية جدا تخصهم عبر سلسلة أحكام متصلبة. الأمور الأكثر بساطة وفورية- إقامة عائلة وحياة مشتركة مع الزوج والأولاد والحفاظ على علاقة متواصلة مع العائلات الأم الخاصة بالزوجين- كلها تتحول إلى مستحيلة.
بعد مضيّ عقد من الزمن على بناء الجدار الفاصل، يتضح بجلاء الانتهاك الكبير الذي لحق بالسكان الفلسطينيين الذين شُيّد الجدار على أراضيهم. فبعد استكمال قرابة ثلثي المسار، تقلص النشاط الزراعي-الاقتصادي في هذه المناطق. كما أنّ الفصل الجغرافي بين المجموعات السكنية المتجاورة وبين السكان وأراضيهم يؤدي إلى تآكل قدرتهم على البقاء ويشلّ أيّ إمكانية لتطويرها بشكل مستديم. هذا الواقع يشكل انتهاكًا لالتزام الدولة أمام المحكمة العليا القاضي بأن لا يمسّ الجدار الفاصل بهذه المجموعات السكانية، مسًا بالغًا
تستعرض منظمة “بتسيلم” في التقرير السنوي تشكيلة واسعة من المسائل المتعلقة بانتهاك حقوق الإنسان في الضفة الغربية وقطاع غزة من طرف السلطات الإسرائيلية إبان عام 2011، وهو العام الـ 44 على احتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة. يتضح من معطيات التقرير انه طرأ ارتفاع حادّ في عام 2011 على عدد الفلسطينيين غير الضالعين في الاقتتال والذين قتلتهم قوات الأمن الإسرائيلية في قطاع غزة. كما طرأ ارتفاع بعدد المواطنين الإسرائيليين الذين قتلهم فلسطينيون في الاراضي المحتلة وإسرائيل، مقارنة مع العام 2010.
يكمن في جوهر نظام الأبرتهايد والاحتلال الإسرائيلي انتهاك منهجيّ لحقوق الإنسان. تعمل بتسيلم لأجل إنهاء هذا النظام، إدراكًا منها أنّه بهذه الطريقة فقط يمكن تحقيق مستقبل يضمن حقوق الإنسان، الديمقراطية، الحرّية والمساواة لجميع الأفراد - فلسطينيين وإسرائيليين - القاطنين بين النهر والبحر.