على الرغم من استمرار السيطرة الواسعة لإسرائيل على قطاع غزة، فقد صرحت الحكومة الاسرائيلية من خلال قرارها حول خطة الانفصال بأن "إتمام الخطة سيلغي مفعولية الإدعاءات ضد إسرائيل حول مسؤوليتها تجاه الفلسطينيين في غزة". وفي معرض ردّها على عدد من الالتماسات التي قدّمت إلى محكمة العدل العليا منذ تطبيق خطة الانفصال، ادعت النيابة العامة أنه بعد انتهاء الحكم العسكري في قطاع غزة، ليس لإسرائيل، وفقا للقانون الدولي، أي التزامات تجاه سكان القطاع، وأن عليهم التوّجه بكل دعوى أو طلب إلى السلطة الفلسطينية. ويُفهم من هذا الإدعاء بأن سيطرة إسرائيل على حياة السكان الفلسطينيين في قطاع غزة، تتم في فراغ عادي لا تتحمل فيه إسرائيل أي مسؤولية كانت عن أعمالها وتبعات أعمالها. غير أن هذا الإدعاء ليس له أي أساس من الصحة في القانون الإنساني الدولي وكذلك في القانون الدولي لحقوق الإنسان.
احد المصادر التي تتطرق إلى واجبات إسرائيل تجاه سكان القطاع هو قوانين الاحتلال الموثّقة في ميثاق لاهاي (1970) وميثاق جنيف الرابع (1949). تفرض هذه الأحكام على الدولة المحتلة مسؤولية شاملة عن أمن ورفاهية المواطنين الذين يعيشون داخل المنطقة المحتلة. إن المعيار الحاسم لسريان أحكام الاحتلال على دولة معينة بخصوص منطقة ما هو وجود "سيطرة فعالة" من جانب تلك الدولة على المنطقة نفسها. على النقيض من ادعاء إسرائيل، فقد قررت محكمة العدل العليا في السابق انّ تكوّن واستمرارية وجود الاحتلال غير متعلق باستعداد الدولة المسيطرة لتفعيل نظام لإدارة حياة السكان، بل يقتصر الأمر على مدى سيطرتها العسكرية على المنطقة. أكثر من ذلك، لكي تعتبر منطقة معينة منطقة محتلة ليس هناك حاجة حتى لتواجد عسكري ثابت على جميع أجزائها. وفقاً لما يراه خيرة الخبراء في القانون الإنساني، فإن السيطرة الفعالة يمكن أن تتواجد حتى وإن كان الجيش يسيطر على نقاط رئيسية في منطقة معينة بشكل يعكس سلطته في المنطقة بأسرها ويحول دون تبلور حكم مركزي بديل يعمل على بسط سيطرته وسلطته. إن الحجم الواسع للسيطرة الإسرائيلية في قطاع غزة، والموجودة على الأرض، على الرغم من الغياب المحسوس لجنود الجيش الإسرائيلي في المنطقة، يخلق أساسا معقولا للافتراض بأن هذه السيطرة تصل إلى حد "السيطرة الفعالة"، وبناء على ذلك، فإن أحكام الاحتلال تسري على إسرائيل.
حتى لو لم تصنّف سيطرة إسرائيل على قطاع غزة على أنها "سيطرة فعالة"، ولا يتم اعتبار المنطقة بمثابة منطقة محتلة، فإن هذا لا يعني أن إسرائيل معفية من أي مسؤولية حسب القانون الإنساني الدولي. إن هذا القانون لا يقتصر على حماية المواطنين الذين يعيشون في ظل نظام الاحتلال بل يشمل العديد من التعليمات التي تهدف إلى حماية المواطنين وقت النزاع المسلّح، بغض النظر عن مكانة المنطقة التي يتواجدون فيها. بما أنه حسب ادعاء إسرائيل، يدور نزاع مسلّح بينها وبين المنظمات الفلسطينية التي تحارب ضدها، وأن النزاع ما زال مستمرا بعد الانفصال، فإن هذه التعليمات تفرض عليها العديد من الالتزامات تجاه سكان قطاع غزة. مثلا، وفقا لميثاق جنيف الرابع، فإن إسرائيل ملزمة بتوفير الحماية للجرحى، المرضى، الأولاد دون سن 15 وللنساء الحوامل، السماح بالنقل الحر لإرساليات الأدوية والمواد الغذائية الحيوية، السماح للطواقم الطبية بتقديم المساعدة والامتناع عن فرض العقوبات الجماعية.
المصدر القضائي الآخر الذي تنبثق عنه مسؤولية إسرائيل تجاه سكان قطاع غزة هو قانون حقوق الإنسان العالمي. هذه الوثيقة التأسيسية لهذا الفرع القضائي هي تصريح عالمي حول حقوق الإنسان (1948). تم إرساء البنود الأساسية لهذا التصريح عبر السنين في ستة مواثيق دولية قبلتها الأمم المتحدة وصادقت عليها، كما تمت المصادقة عليها من قبل إسرائيل. تعترف هذه المواثيق بحق كل إنسان بحرية الحركة، العمل، ظروف معيشية لائقة، التعليم، مستوى صحي لائق وبالحياة العائلية. إن الدول الموقّعة على هذه المواثيق مُلزَمة بتنفيذ تعليماتها، ليس فقط في مناطق سيادتها، وإنما تجاه الأشخاص الخاضعين لسلطتها.
هكذا مثلا، حسب لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، المكونة من خبراء مستقلين من معظم أرجاء العالم، فإن السؤال الأساسي الذي يجب الإجابة عليه من أجل تحديد مسؤولية الدولة تجاه عمل معين، ليس إذا ما تم تنفيذ العمل في منطقة سيادية تابعة لتلك الدولة، بل ما هي طبيعة العلاقات بين الفرد المصاب وبين الدولة. بكلمات أخرى، فإن مسؤولية الدولة عن احترام حقوق الإنسان لفئة سكانية ما يكون مجتزئا من حجم السيطرة عليها، وليس بالضرورة مكانة المنطقة التي يعيش فيها أولئك السكان.
إن هذا الاستنتاج مترتب ولا مناص منه، أيضا على ضوء مبدأ العالمية الذي ينص كما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بأن "جميع بني البشر ولدوا أحراراً وهم متساوون في القيمة والحقوق".
إن المعاني الأساسية لما جاء تفيد بأنه لا يمكن لإسرائيل أن تتنصل من مسؤوليتها القانونية باحترام حقوق الإنسان لسكان قطاع غزة في المجالات التي تسيطر عليها إسرائيل. هذا يعني، أنه حتى بعد الانفصال، تواصل إسرائيل تحمّل المسؤولية القضائية عن تبعات أفعالها وتصرفاتها تجاه سكان القطاع، بغض النظر عن السؤال ما إذا كان يمكن تعريف الوضع في القطاع على أنه احتلال أم لا.