مستجدات: يوم الأحد الموافق 24/4، تمّ إطلاق سراح د. بعد أن ردّت مفوّضة مصلحة السّجون الإسرائيليّة على ذوي الطّفلة، أنها قررت تقصير مدّة اعتقالها بشهرَين. وصل ردّ المفوّضة بعد نشر القضية وإثارة الانتقادات في البلاد والعالم.
يتمّ إطلاق سراح د. من الاعتقال في حاجز جبارة المتواجد بجانب طول كرم. تصوير: أورن زيف، أكتيفستيلز
يوم الثلاثاء، الموافق 9/2/2016، في ساعات الصباح المبكرة، وصلت الفتاة د.و.، البالغة من العمر 12 عامًا وشهرين، إلى مدخل مستوطنة "كرمي تسور"، وهي تخفي سكينا تحت قميصها. وفقًا لتقارير وسائل الإعلام، أمرها حارس الأمن بالتوقف عند مدخل المستوطنة. أحد سكان المستوطنة أمرها بالاستلقاء على الأرض، وأخذ السكين وكبل يدَيها إلى حين وصول الجنود إلى المكان، الذين اعتقلوها ونقلوها للتحقيق. في الفيديو الذي تمّ تصويره خلال هذا الحدث يظهر المستوطن وهو يسألها إذا جاءت لقتل اليهود وتردّ الفتاة بالإيجاب.
وفي إفادة لباحثة بتسيلم الميدانيّة منال الجعبري، روت والدة د.و. كيف علمت عن الحادث:
يوم الثلاثاء، الموافق 9/2/2016 ، استفاقت د. كعادتها. رتبت سريرها، أعدّت القهوة لأخيها، وارتدت زيّها المدرسيّ. غادرت المنزل زهاء الساعة 7:40 وتوجّهت إلى المدرسة. بدأتُ بترتيب المنزل وإعداد وجبة الغداء. زهاء الساعة 10:00 تلقيت مكالمة هاتفية من أخي محمد. اتصل من مكان عمله وسألني عن حال أطفالي. قلت له إنّهم يتواجدون في أطرهم. لم يضف على ما قاله وأغلق الهاتف. لم يثر بي الحادث قلقًا أو خوفًا إلى أن حضر أخي الثاني، جميل. كان ذلك بعد مرور نحو عشرة دقائق على مكالمة محمد الهاتفية.
خرج من سيارته وبدا شاحبا ومرتبكًا. ظننت أنّ أمرًا سيئًا قد وقع لأمي. سألته إذا حدث شيء ما يريد أن يخبرني به ثم قال إنّ ألقي القبض على د. في مستوطنة "كرمي تسور". بعدها بالضبط وصل أشخاص من المدرسة التي كانت تدرس فيها، بمن فيهم معلمتها. سألوني ماذا حدث مع د. وقلت لهم أنها ذهبت إلى المدرسة في الصباح. قالت معلمتها أنها لم تأت في ذلك اليوم. كنتُ مذهولة وشعرت بالدوار، لم أستطع أن أصدق ما قالوه لي وما قاله لي أخي جميل في وقت سابق. شعرت وكأني أحلم. د. بنت صغيرة، والمستوطنة بعيدة جدا عن منزلنا، كيف يمكن لبنت مثلها الوصول إلى المستوطنة لتطعن شخصا ما؟
طلبت مني المعلمة أن أرافقها إلى المدرسة لأن هناك لجنة من وزارة التربية والتعليم تنتظرني هناك. ذهبت إلى المدرسة مع المعلمة. أراني أحد الأشخاص من وزارة التربية والتعليم عبر هاتفه الخلوي صور د. وهي مكبّلة اليدين. في البداية كان الوجه في الصورة مشوشًا فقلت: "هذه ليست ابنتي". فقط عندما أراني صورة الحقيبة أخبرته أنها حقيبتها. أراني صورة أخرى تظهر فيها وهي تقف ويداها مقيدتان خلف ظهرها. صرخت: "إنها هي!". أصابتني صدمة. لم أكن قادرة على استيعاب الوضع وما حدث، وتركت المدرسة في حالة سيئة للغاية. بكيت وبكيت حتى وصلت إلى المنزل.
التحقيق
غداة اعتقالها تمّ إحضار د. إلى محكمة الأحداث العسكرية في "عوفر"، لجلسة نظر بشأن مطالبة الشرطة بتمديد اعتقالها لمدة ستة أيام لضرورات التحقيق. عقدت الجلسة أمام القاضي المقدّم حنان روبنشتاين، وتمّ تمثيل د. من قبل المحامين طارق برغوث وحمزة أبو ميزر، الذين تم تعيينهما من قبل الحركة العالمية للدفاع عن الاطفال ـ فرع فلسطين. وقال محقق الشرطة في الجلسة: "أدرك أنه فقط قبل بضعة أشهر تجاوزت المشتبه بها سن المسؤولية الجنائية، ومع ذلك، في ضوء خطورة المخالفات المشتبهة بارتكابها، أطالب المحكمة بالموافقة على الطلب".
من محضر الجلسة تتضح التفاصيل المتعلقة بالتحقيق مع د.: تم التحقيق معها مرتين في ساعات ما بعد الظهر، المرة الأولى عند الساعة 13:30 والمرة الثانية عند الساعة 16: 16. وفقًا لادعاء محقق الشرطة، أجري التحقيقان على يد محقّق أحداث. في المرتين أجري التحقيق معها دون حضور الوالدين أو محام من طرفها يمثلها. ادّعى محقق الشرطة في الجلسة أنه: "في المخالفات الأمنية لا يُشترط حضور أحد الوالدين أثناء التحقيق" وأن "هذا التوجيه صدر من قبل ضباط شرطة منطقة الخليل".
خلال جلسة المحكمة اتّضح أيضا أن التحقيق مع والدّي د. هو الإجراء الأساسيّ الذي تطالب الشرطة بتنفيذه. اعترف المحقق أنّه عشيّة الجلسة، تقرر ضرورة إجراء مثل هذا التحقيق، ولكن على الرغم من هذا لم يكلف المحققون أنفسهم عناء الاتصال بهما (وفق أقواله، توضيح هذا الأمر موجود في التقرير السريّ) وكأن الحديث يدور حول عملية تحقيق بسيطة واجب على الشرطة القيام بها، يضيف المحقق أنه: "إذا التزم محامي المشتبه بها بإرسال كلا الوالدين إلى شرطة الخليل اليوم أو غدا للإدلاء بشهادتيهما فإنّ هذا من شأنه تسهيل التحقيق والمساعدة في تسريعه".
في قراره، يرفض القاضي المقدّم روبنشتاين أن يعطي ثقلا لحقيقة أنه تمّ التحقيق مع د. لوحدها ويقرّ بأنّه سيتم التداول في هذا الموضوع في مرحلة لاحقة. بدلا من ذلك، يقبل القاضي بأقوال المحقق انه قال لد. انها تملك الحق بالتشاور مع محاميها وأنّه تحدث إلى والدها عبر الهاتف، لكن الأخير قال بأنه لا يملك محاميًا. يوجز القاضي قائلاً:
نع٬ إن حضور الوالدين هو حق من حقوق القاصر ولكن مع ذلك، هذا لا يعني أنه يجب على المحقق الانتظار بلا حدود إلى حين وصول الوالد وإنما الانتظار لفترة معقولة حتى وصوله. ليس واضحًا من قراءة البلاغ نفسه إذا أوضح لوالدها أيضًا إن كان لديه الحق في الوصول أم لا، ولكن كل ادعاءات محامي الدفاع بالطبع محفوظة له وقت انعقاد الإجراء القضائيّ بعد تقديم لائحة الاتهام.
وكان القاضي قد أولى اهتمامًا خاصًا في مسألة ما إذا كان إطلاق سراح الفتاة القاصر من شأنه أن يشوش على التحقيق. وفقًا لأقواله، فقط التحقيق مع الأهل "قابل للتشويش"، وأنه "يجب إجراؤه اليوم أو غدا." وأضاف القاضي "في الواقع القضية مهيّئة تمامًا لإعداد لائحة الاتهام"، وكتب القاضي في ملخّص أقواله:
يدور الحديث عن فتاة صغيرة تبلغ من العمر حوالي 12 عامًا وشهرين. إنّ المحكمة متأثرة من ضعفها ومن تعابير الخوف البادية على وجهها لكن هذا لا ينفي خطورتها، لأن الحديث يدور حول مخالفة خطيرة جدًا حاولت القاصر كما يبدو ارتكابها بدون خوف. ومن أجل تحقيق التوازن بين ضرورات التحقيق وبين حقيقة أن هناك عملية تحقيق واحدة فقط تُلزم اعتقالها، أقرّ القاضي بأنّ تمديد اعتقال القاصر سيكون حتى تاريخ الغد الموافق 11/2/2016 عند الساعة 17:00".
تمّ التحقيق مع والدَي د. مباشرة بعد الجلسة. في إفادتها، روت والدة د. ما حدث في ذلك اليوم في المحكمة وفي التحقيق معهما بعد ذلك:
رأيت د. تجلس في قفص المتهمين. كانت ساقاها مقيّدتين بأصفاد من حديد وبَدَت شاحبة. حاولت التحدث معها. ردّت بإجابات قصيرة ورأيت أنها مشتتة. كانت ترتدي ملابس خفيفة وكان الطقس باردًا. بدت مصدومة. في البداية تحدثت النيابة عن د. وقالت إنّها متّهمة بالشروع في القتل وأنها تشكل خطرا على أمن دولة إسرائيل. قال المحامي ان التحقيق مع د. جرى دون حضور والدها أو والدتها.
غادرنا المحكمة، وتوجهنا إلى مركز الشرطة في "كريات أربع". وصلنا إلى هناك زهاء الساعة 15:00 وانتظرنا في الخارج لمدة ساعة تقريبا إلى أن فتح شرطي الباب في نهاية الأمر. دخلنا أنا وزوجي. كنا نظن أننا سنقابل د. وأنهم سيحققون معها مرة أخرى في حضورنا ولكننا بعد ذلك فوجئنا بمعرفة أن بالفعل تمّ التحقيق مع والدها لمدة نصف ساعة تقريبًا ومن ثم تم التحقيق معي نحو نصف ساعة، كل هذا دون أن يُحضروها. تمّ التحقيق معنا على يد محقق يدعى سلومون. سألني عن د. وعن سلوكها في المنزل، والدافع من وراء تنفيذ عملية الطعن. بالإضافة إلى ذلك، سألني عن البرامج التلفزيونية التي تشاهدها، وإن كانت تشاهد محطة الأقصى.
سألني: "هل توجد لد. قريبة مسنّة أو جارة؟". بدا السؤال غريبا بالنسبة إليّ، وسألته: "لماذا تطرح عليّ هذا السؤال؟". أجاب أنه خلال التحقيق مع د. قالت له أنها كانت تحلم كل ليلة بامرأة عجوز تأتي إليها في مناماتها وتطلب منها أن تتوجه إلى المستوطنة وتقتل المستوطنين. سألت المحقق ما إذا كانوا يعتزمون التحقيق مع د. مرة أخرى، وهذه المرة في حضورنا، وأجابني أنها الآن موجودة في سجن للنساء ولا يعتزمون التحقيق معها مرة أخرى.
في اليوم التالي عقدت جلسة أخرى لتمديد اعتقال د.، هذه المرة أمام القاضي المقدّم موشيه ليفي. طالب المدعي العام العسكري، النقيب ميخائيل رفر، القاضي بتمديد اعتقال الطفلة ستة أيام أخرى لتقديم لائحة الاتهام. لم يوضّح النقيب رفر لماذا يحتاج ستة أيام لهذا الغرض. محامي د. حاول إقناع القاضي ببديل للاعتقال في حالة د.، بدلا من السجن، ولكن المدعي العام رفض هذه الامكانيّة، بحجة أن بديل الاعتقال الذي يقترحه الدفاع ـ نزل مغلق في بيت لحم ـ "لن ينفي الخطر الناجم عن المتهمة".
وقال القاضي المقدّم ليفي انه "من المؤلم رؤية فتاة مقادة إلى قاعة المحكمة من السّجن. أعتقد أن الأولاد في هذه السن يجب أن يكونوا داخل أطر بديلة وليس مع المعتقلين في السجون". لكنّه يضيف أنه "لا يمكننا تجاهل الخطر الكامن في هذه الفتاة، عندما يتعلق الأمر بمخالفة خطيرة حاوَلت تنفيذها بعزم ودون خوف". أقرّ القاضي بأنّه يجب استجواب إدارة النزل، لضمان أن يقوم النزل ب "نفي الخطر".
صفقة التسوية
وفي اليوم نفسه، قدمت النيابة العسكرية لائحة اتهام ضد د. بتهمة الشروع في القتل وحيازة سكين. بعد توجيه الاتهام، أمر القاضي ـ على عكس موقف النيابة وبعد التحقيق مع مديرة النزل في المحكمة ـ بنقل الفتاة إلى نزل مغلق في بيت لحم، وبكفالة قدرها 8000 شيكل وبضمان طرف ثالث بمبلغ قيمته 25000 شيكل. أعلنت النيابة أنه سيتم الاستئناف على القرار.
إنّ إجراء محاكمة أدلّة، كان سيتواصل لعدة أشهر، وهي الفترة التي كانت د. ستقضيها في المعتقل أو في نزل مغلق. في ظل هذه الظروف، لم يكن هناك خيار لدى د. سوى التوقيع على صفقة تسوية. في تاريخ -18/2/2016 أبلغت المحكمة الطرفين بشأن الصفقة وأن د. اعترفت بالتهم الموجهة إليها في لائحة الاتهام. يحد القانون العسكري من مدة السجن ـ الفعليّ وبشكل مشروط ـ الذي يمكن فرضه على قاصر دون سن 14 لفترة نصف عام. وفقا لذلك، وصل الطرفان إلى اتفاق بأنّه سيُحكم على د. بالسجن لمدة 4.5 أشهر، وشهر ونصف تحت المراقبة لمدة خمس سنوات وغرامة قدرها 8000 شيكل (أو 8 أشهر في السجن في مقابل فرض هذه المدة على والديها). وفقا للمدّعي، "ترتبط مبررات التسوية بماضي المتهمة النظيف، اعترافها بالتهمة وبتوفير الوقت على المحكمة. وأخذنا بعين الاعتبار سنّ المتهمة الصغيرة".
قبل القاضي بهذه الصفقة، وأضاف:
ليس هناك شكّ في أن الحديث يدور حول فتاة صغيرة في السن، ولا يمكن لقلب أي شخص ولا حتى القاضي أن يُختَم عند سماع الأقوال في المحكمة وسماع أقوال د. القاصر التي يصدر منها صوت ضعيف ومنخفض. سمعت أيضا أقوال ممثلة الخدمات الاجتماعية في الإدارة المدنية التي تحدثت عن المشاكل التي تعاني منها القاصر، مشاكل في الإصغاء والتركيز والتي على ما يبدو لم تعالج في إطار المدرسة. وسمعت أيضا القاصر نفسها التي تحدثت عن المواضيع التي تدرسها في الصف السابع في المدرسة، وأحوالها الشخصية والأسريّة وليس هناك من شك في أن فرض عقوبة السجن الفعليّ على قاصر في هذه السن الصغيرة ليس أمرًا سهلاً على الإطلاق.
من ناحية أخرى، يجب الأخذ بعين الاعتبار ما نُسب في لائحة الاتهام إلى القاصر، للأسف، في الأشهر الأخيرة زُج بدولة إسرائيل في سلسلة من الأحداث الخطيرة التي لا يتردد فيها العديد من القاصرين بحمل السكاكين، حتى وهم يدركون أنهم قد يلاقون حتفهم. تنتهي هذه الأحداث أيضا، للأسف، بوفاة أولئك الذين يتأذون من شفرة السكين ... مع كلّ الأسف الناجم عن وضع القاصر من وراء القضبان وبصرف النظر عن حقيقة أن محامي الدفاع والادعاء توصلا إلى اتفاقات عادةً لا تنحرف المحكمة عنها، آمل بأنّ الفتاة القاصر تدرك اليوم أنّه كان بإمكانها أن تتسبب في موت إنسان، وربما في موتها هي أيضًا.
بهذا انتهى الاجراء القضائيّ. بعد تسعة أيام من اعتقالها، سجنت د.، التي اجتازت للتو سن المسؤولية الجنائية، مدة أربعة أشهر ونصف، في ختام اجراء اجتازته لوحدها، دون أن تضطر النيابة تقديم ولو دليل واحد يثبت التهمة عليها.
قاصرون في الإجراءات القضائيّة
ليس عبثًا تمّ تحديد قواعد خاصّة للقاصرين في مختلف أنظمة القضاء في العالم، هدفها حمايتهم ضمن إطار الإجراءات الجنائية. مجابهة التحقيق، الاعتقال، الانفصال عن أسرهم وبيئتهم المألوفة ـ هي أكثر صعوبة بالنسبة إليهم مما هو الحال بالنسبة إلى البالغين، وتأثير ذلك على بقية حياتهم أكبر حجمًا. يأخذ القانون الدولي ذلك بين الاعتبار ويوفر الحماية اوسع للقاصرين في الإجراءات الجنائية، حيث أنّ أحدَ المبادئ التوجيهية الواردة فيه أن يكون حبس القاصرين دائما الوسيلة الأخيرة، التي يجب اتخاذها فقط في ظلّ غياب أي بديل آخر. وبالمثل، ينص القانون الإسرائيلي على حظر سجن القاصرين ممن هم دون سن 14 وفي جميع الأحوال يجب العمل لإعادة تأهيلهم. القانون الإسرائيلي أيضا يحمي بشكل كبير حقوق القاصرين على طول الاجراء القانوني ـ بدء من الاعتقال مرورا بالتحقيق والمحاكمة وانتهاء بقضاء مدّة المحكوميّة .
بالمقابل، يرتكز نظام تطبيق القانون العسكري على أساس مبادئ معاكسة: حبس القاصرين في السجون هو العلاج الأساسي للقاصرين المشتبه فيهم بانتهاك القانون العسكري، كما وأنّه من الممكن حرمانهم بسهولة نسبية من الحقوق القليلة الممنوحة لهم بأوامر عسكرية، من خلال الاعتماد على الاستثناءات الواسعة المنصوص عليها في تلك الأوامر العسكريّة.
وهكذا، خلافا لإدعاء محقق الشرطة في الجلسة الأولى لتمديد اعتقال د.، يُلزم القانون العسكريّ السلطات إعلام أولياء الأمور حول احتجاز واستجواب القاصرين على الفور. لكن واجب الإعلام بهذه يتم فقط إذا سلّم القاصر تفاصيل الاتصال بهم. حتّى وقتها أيضًا، يجب فقط "بذل مجهود معقول في ظل الظروف"، وإذا لم يتمّ العثور على الوالدين بعد ذلك، يمكن حينها التنازل عن الإعلام. لا يوضّح القانون ما هو "المجهود المعقول".
كما ويلزم الأمر العسكري المحقق بإعلام القاصر بحقّه في استشارة محام. ومع ذلك، فإن ممارسة هذا الحق يعتمد على تقديم القاصر للمحقق تفاصيل المحامي الذي يمثله، رغم ضآلة احتمالية أن تتوفر لدى القاصرين تفاصيل من هذا النوع. على أية حال، حتى لو تم تسليم هذا الإشعار للمحامي، فإن الأمر لا يؤجل التحقيق.
نظرا لهذا الواقع، من الواضح أنّه منذ البداية لم يكن لدى د. أي فرصة لمحاكمة عادلة في نظام القضاء العسكريّ، وأنّ مصيرها حُدّد مسبقًا: بدء من الاعتقال، مرورا بالتحقيق وجلسات المحكمة وانتهاء بتوقيعها على صفقة التسوية.
موقف جميع الأشخاص الذين شاركوا في قضية د. ـ عناصر الشرطة، النيابة العسكرية والقضاة العسكريين ـ نسبة مع حقيقة أنّه تمّ حبس فتاة صغيرة جدًا، هو أمر لا يمكن تصوره. حتى لو أن قسمًا منهم يختار أحيانًا الإشارة إلى صعوبة حبس فتاة صغيرة في هذه السن، إلا أنّه في النهاية ترجح كفّة المخالفة المشتبهة في ارتكابها، وليس سنّها. ادعاء المحقق أنه قال لد. إنّها تملك الحق في استشارة محام دون أن يساعدها على إيجاد محام، إشارة المدعي العام إلى "الماضي النظيف" لد. والتي فقط قبل أقل من ثلاثة أشهر اجتازت سن المسؤولية الجنائية، تمديد اعتقالها لغرض تنفيذ اجراءات لم تستدع التمديد ـ كل هذه ليست سوى أمثلة قليلة تدل على أن جميع الأطراف المسؤولة عن د. تصرفت بطريقة مسّخت حقيقة كونها فتاة قاصر.
يبرز بشكل أساسي تجاهل جميع الأطراف المشاركة في الإجراء، المعنى الفظيع لكل ساعة مكوث في السجن بالنسبة إلى فتاة تبلغ من العمر 12 عاما، لوحدها، بعيدا عن عائلتها وعن بيئتها المألوفة، مع غيرها من الفتيات التي لا تعرفهن. هكذا، على سبيل المثال، طلب محقق الشرطة من القاضي بسهولة لا تفسير لها المصادقة على ستة أيام لضرورات تتعلق بالتحقيق. فقط خلال الجلسة اتضح أن الإجراء الرئيسي المطلوب هو التحقيق مع والديها ـ وهو ما كان المحققون قادرين على القيام به قبلها بيوم، لكنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء التحدث إليهم قبل الجلسة. صادق القاضي على تمديد فترة الاعتقال ليوم آخر لغرض القيام بهذا الإجراء القصير والبسيط، على الرغم من أن التحقيق مع الوالدين انتهى بعد ظهر ذلك اليوم. في اليوم التالي، طلبت النيابة ستة أيام إضافية للاعتقال لضرورة إعداد لائحة الاتهام، على الرغم من أنه في اليوم السابق، أٌقرّ القاضي بأنّ القضية "مهيّئة تمامًا" لإعداد لائحة الاتهام. أقرّت المحكمة بأَنّه سيتم تمديد اعتقالها لمدة أربعة أيام. وقد اتخذ القرار يوم الخميس وجرى تمديد الاعتقال حتى يوم الأحد، بحيث أنّه ربّما أخذ القاضي بعين الاعتبار عطلة نهاية الأسبوع، كما يحدث عادة في جلسات تمديد الاعتقال. ولك، ونظرا لسنّ د.، كان على القاضي أن يحكم بشكل مختلف.
حالة د. هي حالة استثنائية، والنيابة العسكريّة تكاد لا تقدّم تقريبًا لوائح اتهام ضدّ أولاد قاصرين بهذه السن. ولكن حالة كهذه بالذات تعكس المشاكل المتأصلة في نظام المحاكم العسكرية. تعمل هذه المحاكم كمحاكم يُفترض بأن تكون كذلك، وغالبا ما يقارن القضاة عملهم بعمل المحاكم التي تعمل داخل الخط الأخضر. ولكن النظامين القضائيّين المختلفين جذريا، يرتكزان على قيم أخرى ويهدفان إلى حماية مصالح مختلفة: نظام القضاء الإسرائيلي يهدف إلى حماية مصالح المجتمع الذي يأتي منه المتهمون. المحاكم العسكرية، في المقابل، تم تصميمها لحماية مصالح نظام الاحتلال. القضاة وأعضاء النيابة العامة هم دائما اسرائيليون، معظمهم جنود يرتدون الزي العسكري، وهدفهم فرض أوامر نظام الاحتلال على المجتمع الفلسطينيّ المدنيّ، التي الذي يعارض استمرار هذا النظام.
على هذا النحو، فإنّ نظام القضاء العسكري هو ضروري لإتاحة استمرار الاحتلال. كما يتبين بوضوح من معالجة النظام لحالة د، فإنّ العدالة والحفاظ على حقوق المتهمين الماثلين أمامه ـ حتى عندما يتعلق الأمر بفتاة تبلغ من العمر 12 عاما وشهرين ـ ليست الا اعتبارا ثانويا، إن وجد أساسا، في نظام اعتبارات النيابة العسكرية والقضاة العسكريين.