على مدار سنوات، تم إقامة عدد من نقاط الاستيطان الإسرائيلية في مدينة الخليل القديمة وضواحيها، وهي منطقة كانت بمثابة مركز تجاري لجنوب الضفة الغربية. وتقوم الجهات المسئولة عن القانون في إسرائيل وقوات الأمن الإسرائيلية بتكبيد ثمن حماية هذه النقاط الاستيطانية من جميع السكان الفلسطينيين. ولهذا الغرض، تنتهج إسرائيل نظاما يستند بصورة صريحة ومكشوفة إلى "مبدأ الفصل"، الذي على ضوئه أوجدت إسرائيل عزلا (SEGREGATION) على الأرض وعزلا قانونيا ما بين المستوطنين الإسرائيليين وبين الغالبية الفلسطينية.
وقد أدت هذه السياسة إلى انهيار الاقتصاد وسط مدينة الخليل ونزوح واسع للسكان الفلسطينيين. وتُظهر نتائج المسح الذي أُجري من اجل اعداد هذا التقرير، أن الفلسطينيين نزحوا عن ما لا يقل عن 1014 شقة سكنية في وسط مدينة الخليل، علما أن هذه الشقق تُشكل 41.9% من مجموع الشقق السكنية في هذه المنطقة. كما أن 65% من الشقق التي تم إخلاؤها، وعددها 659، نزح عنها سكانها خلال الانتفاضة الثانية. كما يتضح من نتائج المسح أن 1829 محلا تجاريا فلسطينيا في المنطقة التي جرى مسحها اصبحت مهجورة اليوم، علما أن هذه المحلات التجارية المغلقة تشكل 76.6% من مجموع المحال التجارية في هذه المنطقة. 62.4% من المحال التجارية المغلقة، وعددها 1141 محلا، تم إغلاقها خلال الانتفاضة الثانية، وأن 440 محلا منها جرى إغلاقها بأوامر عسكرية.
إن المكونات الأساسية لـ"سياسة الفصل" الإسرائيلية تقوم على الحظر الشديد والواسع لحركة الفلسطينيين والامتناع المنهجي عن فرض القانون والنظام على المستوطنين العنيفين الذين يعتدون على الفلسطينيين. كل هذا إلى جانب ما يلحق سكان المدينة الفلسطينيين من أذى مباشر من قبل القوات الإسرائيلية.
سوق الفواكه في الخليل. من الاعلى: في سنوات التسعين. من الاسفل: عام 2007. تصوير: نايف هشلمون، مركز الوطن وكيرين مانور، اكتيبستيلس.
القيود على حرية حركة الفلسطينيين وإغلاق المحال التجارية
خلال الأعوام الثلاثة الأولى من الانتفاضة الثانية فرض الجيش الإسرائيلي منع التجول في وسط الخليل لمدة تزيد عن 377 يوما بالتراكم، من بينها فترات متواصلة امتدت إلى 182 يوما، مع استراحات قصيرة للتزود بالحاجيات.
بالإضافة إلى ذلك، فقد فرض الجيش الإسرائيلي شريطا متواصلا في وسط مدينة الخليل يُحظر فيه بصورة تامة تنقل السيارات الفلسطينية. وتوجد في هذا الشريط مقاطع من شوارع يُحظر السير فيها للمارة الفلسطينيين. إن هذا الشريط يؤثر على المدينة بأسرها لأنه يغلق الشارع الرئيسي الذي يربط شمالي المدينة مع جنوبها.
وقد أدت هذه القيود إلى إغلاق مئات المحال التجارية والورشات، إلى جانب المحال التي أغلقت بأوامر من الجيش الإسرائيلي.
منطقة السهالة في الخليل، بالقرب من سوق الجمال. من الاعلى: في سنوات التسعين. من الاسفل: عام 2007. تصوير: نايف هشلمون، مركز الوطن وكيرين مانور، اكتيبستيلس.
الامتناع عن حماية الفلسطينيين من اعتداءات المستوطنين العنيفين
تطورت في الخليل على مدار السنوات ظاهرة الاعتداءات المنهجية، التي تتصف بالعنف الشديد في بعض الأحيان، من قبل المستوطنين في المدينة ضد السكان الفلسطينيين. وقد جرى خلال الانتفاضة الثانية توثيق حالات من الاعتداءات البدنية، الضرب، استعمال العصي، رشق الحجارة، رمي النفايات، الرمل، الماء، الكلور، الزجاجات الفارغة، إتلاف الحوانيت والأبواب وسرقة محتوياتها، قطع الأشجار المثمرة وكذلك حالات من إطلاق النار، محاولات الدهس، القاء السموم في بئر ماء، اقتحام البيوت، رشق المياه الساخنة في وجه فلسطيني وحالة واحدة جرى خلالها قتل بنت فلسطينية.
لا توجد زاوية شارع في محيط هذه النقاط الاستيطانية الإسرائيلية في مدينة الخليل لا يتواجد فيها الجنود بصورة دائمة. وعلى الرغم من هذا، يمتنع الجنود في معظم الحالات عن حماية الفلسطينيين الذين يتعرضون للاعتداء من قبل المستوطنين. كما أن فرض القانون من قبل الشرطة يتصف بالخلل وفي القليل من الحالات فقط يتعرض المعتدون للعقاب. إن غياب الرد المناسب من قبل السلطات المسؤولة على ظاهرة عنف المستوطنين في الخليل تعتبر وكانها رعاية لأعمال العنف؛ وفضلا عن كون هذه الأعمال خطيرة بحد ذاتها، فقد ساهمت في "الطرد الهادئ" للفلسطينيين من وسط المدينة.
إلحاق الأذى بالسكان الفلسطينيين من قبل عناصر الجيش والشرطة
التواجد المكثف للجنود ورجال الشرطة وسط مدينة الخليل يولد حالات من العنف وظواهر كثيرة من الاستعمال المفرط وغير المبرر للقوة والصلاحيات التي بأيديهم. إن العنف، عمليات التفتيش التعسفية في بيوت المواطنين، اقتحام البيوت، المضايقات، تأخير المارين ومعاملتهم بامتهان واحتقار اصبحت جزءاً من واقع الحياة اليومية للسكان الفلسطينيين، وأدت بالكثير منهم إلى محاولة العثور على مسكن بديل في أماكن أكثر أمنا. وفي بعض الحالات هنالك تصرفات وسلوكيات ومواقف لن تحاول حتى المؤسسة الأمنية تبريرها، غير أنها في ذات الوقت لم تفعل ما فيه الكفاية من اجل استئصال هذه الظواهر.
***
بناء عليه، فإن سياسة إسرائيل تُلحق الأذى بصورة واسعة وبالغة بعشرات آلاف الفلسطينيين، من خلال المس بحقهم في الحياة، الحرية، الأمن الشخصي، حرية الحركة، الصحة وحقوق الملكية. إن هذه السياسة تعتبر انتهاكا اسرائيليا للقانون الدولي وتنكرا لواجباتها طبقا للقانون الدولي لحقوق الإنسان وطبقا للقانون الإداري والدستوري في إسرائيل. ونظرا لأن المكونات المختلفة لهذه السياسة سببت انهيار نسيج الحياة في المنطقة وأدت إلى "الطرد الهادئ" للفلسطينيين منها، فإن الأمر ينطوي أيضا على انتهاك الحظر القاطع في اتفاقية جنيف الرابعة على نقل السكان قسرا. إن إنتهاك هذا المنع يعتبر جريمة حرب ويتحمل أيضا المسئولون عن تنفيذها المسئولية بصفة شخصية.
لقد أُقيمت النقاط الاستيطانية في الخليل من خلال انتهاك قواعد القانون الدولي، وتؤدي هذه النقاط إلى الاستمرار في انتهاك المحاذير الثابتة في هذا القانون والتي تهدف إلى حماية حقوق الإنسان للسكان الخاضعين لسلطة الاحتلال. طبقا لموقف دولة إسرائيل، لا يمكنها حماية مستوطني الخليل دون انتهاج الفصل وسط المدينة الفلسطينية ودون المس بالحقوق الأساسية للسكان الفلسطينيين، وهي عمليات تُرغم السكان الفلسطينيين على مغادرة المنطقة.
يقع على عاتق دولة إسرائيل الواجب القانوني والأخلاقي بإخلاء مستوطني الخليل وإعادتهم إلى إسرائيل. وما لم يتم إخلاء المستوطنين، يتوجب على السلطات حماية المستوطنين من خلال تقليص المس بالفلسطينيين إلى الحد الأدنى. ولهذا الغرض يجب تمكين الفلسطينيين من حرية الحركة في شوارع وسط الخليل؛ تمكين الفلسطينيين من العودة إلى بيوتهم؛ العمل على إنعاش وسط الخليل كمركز تجاري؛ تطبيق القانون والنظام على المستوطنين العنيفين؛ التحقيق في كل حالة من انتهاك القانون من قبل عناصر الجيش والشرطة؛ ومنع أي محاولة من قبل المستوطنين للسيطرة على مبان ومناطق في المدينة.